العناوين
ترجمة وقف الديانة التركية (TDV): “أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَتَكُونَ لَهُمْ قُلُوبٌ يَعْقِلُونَ بِهَا أَوْ آذَانٌ يَسْمَعُونَ بِهَا؟ فَإِنَّهَا لَا تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ.”
“إن الأبصار (العيون) لا تعمى، ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.”
الصلة بين القلب والبصيرة
مهما كانت التأويلات، إذا أُعطيت الكلمات والتراكيب الناشئة عنها هذه المعاني، فلن نصل أبداً إلى فهم خالٍ من التناقض؛ فهو متناقض لأنه عكس ذلك تماماً، أي العيون تعمى ولكن القلوب لا تعمى.
حتى الإنسان الكفيف يستطيع أن يشكل بصيرة في عقله (قلبه) من خلال البيانات التي يجمعها عبر حواسه الأخرى، مما يلمسه، يشمه، يتذوقه، يسمعه؛ أي أنه يرى بقلبه حتى لو لم يرَ بعينيه.
الفرق بين الرؤية والفهم
ولكن التفاسير المقدمة لهذه الآية تشير إلى معنى معاكس تماماً لما في الآية. وفقاً لهذه التفاسير، الحقيقة الخارجية هي خلاف ما تقوله الجملة:
“العيون لا تعمى.” … بالعكس العيون تعمى.
“ولكن القلوب التي في الصدور تعمى.” … بالعكس القلوب لا تعمى.
هذه المشكلة تنبع من شيء بسيط جداً، وهو إعطاء كلمة “الأبصار” في الآية معنى “العيون”.
ترجمة TDV: “ولقد خلقنا لجهنم كثيراً من الجن والإنس؛ لهم قلوب لا يفقهون بها، ولهم أعين لا يبصرون بها، ولهم آذان لا يسمعون بها. أولئك كالأنعام؛ بل هم أضل. أولئك هم الغافلون.”
مرة أخرى، أعطى مؤلفو نفس الترجمة للجملة “وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لَا يُبْصِرُونَ بِهَا” المعنى التالي: “… لهم عيون لا يبصرون بها…”
هذا يعني أن “البصر” (جمعها “الأبصار”) ليس “العيون”؛ إذن ما هو “البصر” (“الأبصار”)؟ إنه “البصيرة”.
في الآية 46 من سورة الحج، لا يشير تعبير “الأبصار” إلى مجرد “رؤية العيون”؛ بل يعني “كل ما يتم الحصول عليه من خلال حواس السمع، اللمس، الرؤية، التذوق، الشم”؛ وهذا يُسمى “البصيرة”. البصيرة هي معالجة القلب للمعلومات التي تصل إليه عبر الحواس، وترسيخها في الذهن.
ما لم يفقد الإنسان جميع حواسه أو يتحول إلى “إنسان الفضاء” لابن سينا، فإنه دائماً يحصل على “بصيرة”؛ ولا يمكن منع هذه البصائر. ولكن ما يُسمى “الرؤية” أو “البصيرة” لا يحدث بمجرد إلقاء البيانات التي يتم جمعها عبر الحواس في القلب كأنها قمامة. “الرؤية” تحدث عندما يعطي القلب القيم الصحيحة للمعلومات القادمة عبر الحواس. إذا قال القلب عن ما تراه العين كبيراً أنه صغير، وعن الطويل أنه قصير، وعن القيم أنه بلا قيمة، وعن البعيد أنه قريب، وعن القبيح أنه جميل، فإن “الرؤية” لا تحدث؛ لأن “البصيرة” هي مطابقة الموجود الخارجي مع الموجود الذهني.
القلب يحول الأشياء من حالة ملموسة إلى حالة مجردة، ويُضفي عليها قيمة أثناء ذلك؛ والحواس تدرك المعلومات وتجمعها وترسلها إلى القلب وفقاً لهذه القيم؛ فهي تعمل دائماً وتجمع المعلومات دائماً.
حرمان الإنسان من “البصيرة” لا يكون إلا بعدم عمل جميع حواسه الداخلية والخارجية؛ عمل واحدة أو أكثر منها لا يلغي “البصيرة” تماماً؛ بل يقللها ويصعبها، لكنه لا يقطعها أبداً؛ أي أنها لا تعمى أبداً. ولكن “القلب” هو الذي يعمى؛ لأنه عندما يعبث بالمعلومات القادمة إليه عبر البصائر، يجعلها تترسخ في الذهن بشكل مختلف تماماً.
على سبيل المثال، يشاهد قتل الأطفال في غزة، لكنه يقرأ “التوراة” بدموع الفرح. لم تخدعه عينه، ولم ترسل له البصائر أي معلومات كاذبة، ولكن قلبه الكفيف إلى هذا الحد رسّخ في ذهنه الصورة المريضة التي في قلبه بدلاً مما رأى وسمع.
عندما يعطي القلب القيم الصحيحة للمعلومات القادمة من الحواس، تحدث الرؤية الحقيقية؛ وما عدا ذلك فهو “عمى”.
ماذا يعني عمى القلب؟
مثلاً، الذين أعطوا للآية الترجمة التالية: “ولكن الحقيقة أن العيون لا تعمى؛ ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”، قد رأوا التناقض في الجملة بأعينهم، لكن قلوبهم عميت عن هذا التناقض. لو سألتهم، لقالوا: “ماذا نفعل؟ النص أمامنا هكذا.” ولكن لا النص هكذا ولا قراءته تكون بهذه الطريقة.
لو كان في قلوبهم قدرة على التفكير (“البصيرة”)، أي لو لم تكن قلوبهم عمياء، لعرفوا أن إعطاء كلمة “الأبصار” معنى “العيون” خطأ. (ببصيرة القلب)
يجب أن تكون ترجمة تلك الجملة كما يلي، وهذا أكثر صواباً من جميع الترجمات المقدمة:
“لا تعمى البصائر ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.”
وعندما نفهم كلمة “عمى” في الجملة ليس كـ”العمى” الحسي، بل كـ”عدم القيام بما يجب فعله”، أي “عدم تنفيذ مقتضيات العقل الضرورية”، نفهم أن الآية تتحدث عن أن القلوب يمكن أن تتحول إلى قلب “إنسان الفضاء” لابن سينا.
مثلاً، في آية يُقال “قَسَتْ قُلُوبُهُمْ”. كلمة “قست” تعني “التجمد، عدم الحركة، التصلب”. يجب أن يكون القلب متحركاً، وليس جامداً؛ وليناً، وليس قاسياً. إذن، أن يكون القلب “قاسياً” يعني أن يكون “أعمى”.
لهذا السبب، “لا تعمى البصائر ولكن تعمى القلوب التي في الصدور”. الإنسان الذي يحوّل دنياه إلى جحيم، ويسير في اتجاه لا رجعة فيه نحو الفناء، يرى بعينيه، ويسمع بأذنيه، ويلمس بيديه، ويشم بأنفه، ولكنه لا يرى بقلبه، تماماً مثل الروبوتات ذات الذكاء الاصطناعي. الروبوتات ترى أيضاً، ولكن لأنها لا تملك قلوباً، فإنها تعطي ما تراه قيمة بناءً على المعلومات الاصطناعية المبرمجة فيها، وتمنحها قيمة “خوارزمية” فقط. الإنسان الذي يحوّل دنياه إلى جحيم أصبح أكثر اصطناعية من تلك الروبوتات الاصطناعية؛ لأنه لا يرى بقلبه.